المعجزات العلمية في الأحاديث الشريفة النبوية
محمد البشير النيفر
أرسل الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وأيده بالمعجزات العلمية والكونية الناطقة بصدقه، والتي تقوم بها الحجة على الخاصة والعامة، من جميع طبقات خلقه، وما زالت آيات نبوته - صلى الله عليه وسلم - تزخر بحارها، وتسطع أنوارها، والعلم يخرج كنوزها، ويحل رموزها؛ فيزداد الذين آمنوا إيماناً، ويدخل من لم يطبع الله على قلوبهم في هذا الدين زرافات ووحداناً، لا ركوناً إلى التقليد، ولا نزولاً تحت قوة النار والحديد، بل هي الحجج البالغة، وحقائق العلم الدامغة، تأخذ بأيدي أهل التوفيق، وتقيمهم على سواء الطريق، وتنطق بالحق ألسنتهم، بعد الإيمان والتصديق.
ليس هذا الذي نقوله من شقاشق اللسان، ودعاويه العرية عن الدليل والبرهان، كلا إنه لهو الحق الذي أسفر عنه العيان، وفيما سنخطه ما يؤيد هذا كمال التأييد، وربنا الرحمن المستعان.
حديث الذباب:
هذا الحديث الشريف من آيات نبوته - صلى الله عليه وسلم -، التي أيدها الكشف الطبي؛ فبطلت شبهات اللذين غبَّروا وجه الحديث الكريم قديماً وحديثاً، ممن ضاقت أفهامهم، واعتل إسلامهم، وفيهم من استزله شيطان الهوى، وضعف الدين، وضيق دائرة المعلومات، فرمى بعض رواته من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما هو بريء منه، براءة الإيمان الراسخ والفهم الثاقب والعلم الواسع من صاحب هذا المقال.
نعني بحديث الذباب: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في إحدى جناحيه داء، وفي الأخرى شفاء".
والكلام في الحديث من نواح: 1- رواته 2- مخرجيه 3- ألفاظه 4- كيف فهمه المحققون من أهل العلم في القديم 5- ما أثير عليه من الشبهات قديماً وحديثاً 6- ما أسفر عنه الكشف الطبي مما أيد صدقه، ومزق عنه حجاب الشبهة.
رواة هذا الحديث:
روى هذا الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين: 1- أبو هريرة 2- وأبو سعيد الخدري3- وأنس بن مالك، ولم ينفرد بروايته أبو هريرة، كما ظن الحكيم محمد توفيق صدقي، وقرر هذا في محاضرته التي ألقاها بدار الدعوة والإرشاد في مصر، فقال: على أن حديث الذباب رواه أبو هريرة، وفي حديثه وتحديثه مقال بين الصحابة أنفسهم، خصوصاً فيما انفرد به كما يعلم ذلك من سيرته[1] ا. هـ.
تخريج الحديث وألفاظه:
أخرج الحديث البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي كتاب الطب، من صحيحه الشهير، وهو في كتاب بدء الخلق، من رواية أبي هريرة بلفظ: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء"، وفي كتاب الطب من رواية أبي هريرة أيضاً: "إذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه؛ فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء".
ووقع في زاد المعاد لابن القيم أن الحديث في الصحيحين، وذكره بلفظ: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه"، والصواب أنه في صحيح البخاري فحسب، يعلم هذا بمراجعة صحيح مسلم، ونبه على انفراد البخاري به دون مسلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في خاتمة شرحه لأحاديث كتاب الطب.
والصواب أيضاً: أنه ليس في رواية البخاري: "فامقلوه".
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الطب من روايتي أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، ولفظه من طريق أبي سعيد: "في أحد جناحي الذباب سم، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه؛ فإنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء".
وأخرجه النسائي في كتاب الفرع والعتيرة من سننه، من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- بلفظ: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله".
وأخرجه البزار من رواية أنس بن مالك، فقد روى عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة أنه حدثه قال: كنا عند أنس، فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الإناء، ثلاثاً، ثم قال: باسم الله، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يفعلوا ذلك.
وأخرجه غير هؤلاء منهم البيهقي، والطبراني في الأوسط، والبزار، والمراد من المقل: الغمس، قال ابن الأثير في النهاية: يقال: مقلت الشيء أمقله مقلاً، إذا غمسته، وفي حديث ابن لقمان قال لأبيه: أرأيت الحبة تكون في مقل البحر، أي: في مغاص البحر أ. هـ.
وفي االفائق للزمخشري: المقل والمغس أخوان، وهما الغمس ا. هـ.
فروايتا المقل والعمس بمعنى، وقد اتفقت الروايات على أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وعلى الأمر بغمسه، وفي بعضها زيادة الأمر بالطرح بعد الغمس، كما أن في بعضها زيادة: أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء، وفي بعض الروايات: التعبير بالطعام، وفي بعضها التعبير بالشراب، وفي بعضها التعبير بالإناء، وهو أشمل وأجمع.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث من كتاب الطب: ولم يقع في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتبقى بجناحه الأيسر، فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء...وفي حديث أبي سعيد أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ا.هـ
فهم العلماء المحققين في القديم للحديث:
أجرى كثير من محققي العلماء الحديث على ظاهره، وعده ابن القيم من آيات النبوة، قال في زاد المعاد، في الفصل الذي عقده لبيان هديه - صلى الله عليه وسلم - في إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب، وإرشاده إلى دفع مضرات السموم بأضدادها، من كتابه الجليل زاد المعاد، بعد أن نبه على أن في الحديث معنيين، فقهياً وطبياً، وبين الفقهي قال ما نصه: "واعلم أن في الذباب عندهم قوة سمية، يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح؛ فإذا سقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن تقابل تلك السمية بما أودعه الله في سلاحه الآخر من الشفاء، فيغمس كله في الماء والطعام، فيقابل المادة السمية المادة النافعة، فيزول ضررها، وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأيمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج، ويقر لمن جاء به أنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية، وقد ذكر غير واحد من الأطباء أن لسع الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعاً بيناً، وما ذلك إلا للمادة التي فيه من الشفاء، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين، المسمى شعرة، بعد قطع رؤوس الذباب أبرأه" ا. هـ كلام ابن القيم.
هذا نموذج من كلام المحققين من أهل التقوى واليقين، وهو أقرب ما شرح به الحديث، مما يتفق مع ما أسفر عنه الطب الحديث.
الشبهات التي أثيرت ضد الحديث قديماً وحديثاً:
هذا الحديث ككثير من أمثاله، ضاقت به أفهام من لم يهبهم الله توفيقاً هادياً، وفهماً نافذاً؛ فمشوا في ظلمات الأوهام، وجادلوا فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وقد طلعت قرون الشبهة الباطلة فيه منذ زهاء ألف عام، فها هو ذا الإمام أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي، المتوفى سنة883هـ يقول في كتابه (معالم السنن) شرح سنن أبي داود، عند الكلام على الحديث ما نصه[2]: "وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له، وقال: كيف يكون هذا؟ وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء؟ وما أداها إلى ذلك؟ ا. هـ.
هذا ما نقله الخطابي عن بعضهم، وهو كلام من ليس له إيمان راسخ، ولا فهم نافذ، وقد قال الخطابي - رحمه الله - وأتى به عقبه، ما نصه:
"وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، وإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياء متضادة، إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى أن اللّه - سبحانه - قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان، التي بها بقاؤه وصلاحه، لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزأين من حيوان واحد، وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة، وأن تعسل فيه، وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحاً وتؤخر جناحاً، لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان، الذي هو مضمار التكليف، وفي كل شيء عبرة وحكمة، وما يذكر إلاّ أولو الألباب" ا. هـ كلام الخطابي.
_________
[1] بنصه راجع ص456، من جزء المنار (6) من المجلد (18).
[2] (4/259) طبع المطبعة العلمية
</B></I>
| |
<td class=alt1 style="BORDER-TOP-WIDTH: 0px; BORDER-BOTTOM-WIDTH: 0px" width=175> <TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"><TR style="BACKGROUND-IMAGE: url(blue-css/misc/level/red_faded.gif)"> | | | </TR></TABLE><TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"><TR style="BACKGROUND-IMAGE: url(blue-css/misc/level/grey_faded.gif)"> | | | </TR></TABLE><TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%"><TR style="BACKGROUND-IMAGE: url(blue-css/misc/level/green_faded.gif)"><td width=5 height=11> <td><td width="100%" height=11> <td width=1 height=11></TD></TR></TABLE>
| رد: المعجزات العلمية في الأحاديث الشريفة النبوية
المعجزات العلمية في الأحاديث الشريفة النبوية 2 محمد البشير النيفر
الجزء الاول المعجزات العلمية في الأحاديث الشريفة النبوية
أما الشبهات الحديثة فأقدم ما رأيته منها ما كان أثاره الحكيم محمد توفيق صدقي، أحد أطباء مصر، في إحدى محاضراته التي ألقاها في دار الدعوة والإرشاد بمصر، ونشرتها مجلة المنار، ونصُّ ما به الحاجة من كلامه ص456- 457 ج6 م18: "أما ما رواه البخاري عن أبي هريرة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الآخر داء"، فهذا الحديث مشكل، وإن كان سنده صحيحاً، فكم في الصحيحين من أحاديث اتضح لعلماء الحديث غلط الرواة فيها، كحديث: "خلق الله التربة يوم السبت" مثلاً، وغيره مما ذكره المحققون، وكم فيهما من أحاديث لم يأخذ بها الأئمة في مذاهبهم، فليس ورود هذا الحديث في البخاري دليلاً قاطعاً على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله بلفظه، مع منافاته للعلم، وعدم إمكان تأويله. على أن مضمونه يناقض حديث أبي هريرة وميمونة، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تقع في السمن، فقال: "إن كان جامداً فاطرحوها وما حولها، وكلوا الباقي، وإن كان ذائباً فأريقوه أو لا تقربوه". فالذي يقول ذلك لا يبيح أكل شيء يقع فيه الذباب؛ فإن ضرر كل من الذباب والفئران عظيم. على أن حديث الذباب هذا رواه أبو هريرة، وفي حديثه مقال بين الصحابة أنفسهم، خصوصاً فيما انفرد به، كما يعلم ذلك من سيرته. وغاية ما تقتضيه صحة السند في أحاديث الآحاد الظن، فلا قطع بأن هذا الحديث من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يروون الحديث بالمعنى، فيجوز أن يكون لفظ الراوي لم يؤد المعنى المراد، والله أعلم. وهب أن الرسول قال ذلك حقيقة، فمن المعلوم أن المسلم لا يجب عليه الأخذ بكلام الأنبياء في المسائل الدنيوية المحضة، التي ليست من التشريع، بل الواجب عليه أن يمحصها، ويعرضها على العلم والتجربة، فإن اتضح له صحتها أخذ بها، وإلا علم أنها مما قاله الأنبياء - عليهم السلام - بحسب رأيهم، وهم يجوز عليهم الخطأ في مثل ذلك، وقد حقق هذه المسألة القاضي عياض في الشفاء، فليراجعه من شاءا. هـ المقصود من كلامه. وقد أردف كلامه هذا بتعليق خلاصته: أن أبا هريرة -رضي الله عنه- كان كثير النسيان، فدعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذهب عنه ذلك، وكان أكولاً، وكان يتودد إلى الناس، ويسليهم بكثرة التحديث، والإغراب في القول؛ ليشد ميلهم إليه، وأنه كان مصاباً بالصرع، وهو يورث ضعف العقل أو الجنون، وأنه روى بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - 5384 حديثاً، حتى ضج منه كبار الصحابة، ثم ختم هذا التعليق بقوله: هذا وإنما نقلنا ما نقلناه هنا من تاريخ أبي هريرة ليكون تذكرة وهداية لأهل العقول الراجحة الحرة والنقد الصحيح؛ لكيلا يغتر أحد بمثل تلك الأحاديث المنافية للعلوم العصرية، المبنية على الحدس والمشاهدة، والبحث والدقيق ا. هـ بنصه. وكلامه هذا يتلخص فيما يأتي: 1. أن حديث الذباب مشكل؛ لمنافاته للعلم، وعدم إمكان تأويله، ومنافاة مضمونه لحديث الفأرة. 2. أن كثيراً من أحاديث الصحيحين اتضح لعلماء الحديث غلط الرواة فهيا، وقد ترك الأئمة الأخذ بكثير منها. 3. أن من الحديث ما روي بالمعنى؛ فيجوز أن يكون لفظ الراوي غير مؤد للمعنى المراد. 4. أننا إذا فرضنا أنه روي باللفظ فهو من الرأي في أمور الدنيا، والأنبياء غير معصومين من الخطأ فيها. 5. أن الحديث رواه أبو هريرة، وفي تحديثه مقال، وقد كان يسلى الناس بكثرة التحديث والإغراب فيه، وأنه كان يعتريه الصراع. ونحن نكشف بتوفيق الله وهدايته هذه الشبهات، وننقضها عروة عروة، معتصمين بحبل العلم الوثيق. قوله الحديث مشكل: أشكل الحديث على هذا الكاتب لمنافاته للعلم، وعدم إمكان تأويله، ومناقضة مضمونة لحديث الفأرة. فأما منافاته للعلم فافتراء على العلم؛ ذلك أن العلم يوم كتب هذه الكاتب ما سبق نقله عنه لم ينص باستحالة أن يجمع الذباب بين الداء والشفاء، وإنما كشف عن الداء في أحد الجناحين، ولم يكشف عن الشفاء في الجناح الآخر، فهو لم يهتد إلى الشفاء، ولم ينص باستحالته، وقد ظهر بنور العلم من بعد ما تبين به صدق الحديث، وكذب ظن المتجرئين عليه، وعلى رواته. ما أثبت العلم من منافع الذباب: نسجل هنا ما كتبه الصيدلي الكيمياوي إبراهيم أفندي مصطفى عبده، وما كتبه النطاسي محمد بك سعيد السيوطي، رئيس الصحة البحرية والكورنتينات الصحية. أما الأول فنقله عن الجزء (7) من المجلد (3) من مجلة الهداية الإسلامية، وأما الثاني فنقله عن الجزء (5) من المجلد (9) من مجلة المنار. أما المقال الأول: وهو تحت عنوان: "حديث الذباب" ونصه بعد ذكر الحديث: وقع كثير في خطأ تكذيب هذا الحديث؛ زاعمين عدم مطابقته للحقيقة، وذلك قبل أن تدحض مفترياتهم الأبحاث العلمية الجديدة، منذ بضع سنين، وتكشف عما تضمنه من بليغ الحكمة، ولو أنهم جاروا السلف الصالح لكان خيراً لهم. ويحق لنا أن نضم هذا الحديث إلى المعجزات العديدة التي جاء بها خاتم المرسلين منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وإن كان ما يقدمه الذباب للناس من لمنافع لآية عظيمة على وجود الخالق وقدرته، كما أنها توضح الحكمة في ضربه مثلاً في القرءان الكريم؛ لتعجيز الكافرين. معلوم أن الذباب يقع على العفونات القذرة، المملوءة بالجراثيم التي تولد الأمراض المختلفة. أتدرون ما هو العمل الجليل الذي خص به الذباب وسخر به؟ فكما أن الذباب ينقل بعض الجراثيم بملامسة مصدرها؛ فإنه يأكل منها أكثر مما ينقل، وليس كل واجبه تقليل نسبة وجود الجراثيم فحسب، بل إن ما يتناوله منها في فمه يتحول داخل جسمه إلى ما سماه علماء الطب "بالبكتربوناج" أو "مبعد البكتريا" الذي ينتصر على كثير من جراثيم الأمراض؛ فيبيدها عن بكرة أبيها، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية، أو يكون لها أي تأثير في جسم الإنسان في حالة وجود البكتريوناج، فسبحان الخلاق العظيم!. والآن أسمعكم ما جاء بمجلة التجارب الطبية الانجليزية عدد 1037 عام 1927م قالت: لقد أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض، وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم، واختفى أثرها، وتكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم، تسمى بكتريوناج، ولو عملت خلاصة من الذباب في محلول ملحي لاحتوت على البكتريوناج التي يمكنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للأمراض، ولاحتوت تلك الخلاصة أيضاً على مادة خلاف البكتريوناج نافعة للمناعة ضد أربعة أنواع أخرى من الجراثيم ا. هـ. وقد برهن على ذلك أيضاً الأستاذ الدكتور دريل، مندوب الصحة البحرية والكرونتينات المصرية في الهند للبحث عن ظهور الكوليرا بها، وأنجع الطرق لمقاومتها، وقدم تقريراً مفصلاً في ديسمبر سنة 1927م عما أجراه مع زملائه من الأبحاث الفنية، والتجارب العملية؛ فقد ذكر في تقريره أن "البكتروناج" أجسام حية صغيرة الحجم جداً، أمكن تلوينها ورؤيتها بترسب ذرات الفضة عليها، وأنه حصل على البكتريوناج، وتمكن من زرعه وتنميته وإذابته في الماء، وإعطاء محلوله إلى المرضى، بنسب مخصوصة؛ وبزيادة الجرع وتنظيم تناولها كان المريض ينال الشفاء في يومين أو ثلاثة. وتمكن أيضاً من استخراج البكتريوناج من براز الناقهين، واستعماله لنفس الغرض، وكان يضع من زرع البكتريوناج في بئر القرية؛ فإذا شرب منه أهلها زالت عنهم أعراض الكوليرا </B></I>
|
| |